الإمارات.. ريادة لوجستية ذكية لمكافحة الهدر الغذائي
أصبحت الإمارات العربية المتحدة نموذجًا يحتذى به في العالم العربي والعالم فيما يتعلق بتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الهدر الغذائي عبر استراتيجيات متكاملة ومستدامة. تعدّ الدولة اليوم مركزًا رئيسيًا لتجارة الأغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تواصل مسيرتها الطموحة لتحقيق الريادة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2050، عبر سلسلة من المبادرات والتدابير التي تهدف إلى جعل القطاع الغذائي محركًا رئيسيًا للتنمية المستدامة.
الهدر الغذائي في الإمارات.. تكلفة عالية وتحديات متواصلة
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الهدر الغذائي يكلف دولة الإمارات حوالي 10 مليارات درهم سنويًا، حيث يُهدر الفرد الإماراتي نحو 179 كيلوغرامًا من الطعام سنويًا. هذه الأرقام الكبيرة تسلط الضوء على ضرورة تبني سياسات وإجراءات فعالة للحد من هذه الظاهرة. استجابةً لذلك، تبنّت الإمارات إدارة لوجستية ذكية تهدف إلى مواجهة هذا التحدي من خلال استراتيجيات وطنية تهدف إلى ترشيد استهلاك الموارد وتعزيز كفاءة سلاسل التوريد.
وفقًا لورقة بحثية حديثة صادرة عن مركز "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" في أبوظبي، أصبحت الإمارات تمتلك عدة استراتيجيات للتعامل مع الأزمات المحتملة المتعلقة بالأمن الغذائي والفاقد من الغذاء، ما يجعلها محورًا هامًا للتوريد والشحن الإقليمي والعالمي، وتوفير حلول طموحة لتقليل الفاقد.
التحديات المشتركة في منطقة الخليج
تواجه دول الخليج تحديات عدة فيما يتعلق بالهدر الغذائي، مثل نقص البيانات اللازمة لدعم السياسات، والحاجة إلى تقدير كمّي لفقد الغذاء عبر سلسلة الإمداد. وفقًا لتقرير "هدر وفقدان الغذاء: حلول دول الخليج لمواجهة التحدي العالمي" الصادر عن القمة العالمية للحكومات، يبرز أيضًا غياب سياسات فعالة للحد من الإنتاج الفائض، إلى جانب محدودية الوعي المجتمعي بالقيمة الحقيقية للغذاء، مما يساهم في شراء كميات غذائية أكبر من الحاجة الفعلية، وبالتالي زيادة الفاقد الغذائي.
كما يُعتبر نقص القدرات الفنية من التحديات الرئيسية التي تؤثر سلبًا على جهود الحد من فقدان الغذاء في مراحل متعددة من سلسلة الإمداد، مما يتطلب تطوير الكوادر الفنية، ودعم الابتكارات التكنولوجية.
المبادرات الإماراتية.. نهج مستدام للحد من الفاقد الغذائي
رغم التحديات، تعمل الإمارات جاهدة على تقديم حلول مستدامة للحد من فقد الغذاء وتداعياته البيئية. تسعى الدولة لخفض الهدر الغذائي بمقدار النصف بحلول عام 2030، بعدما وصلت التكلفة الاقتصادية السنوية للهدر إلى نحو 6 مليارات درهم، حيث يُعتبر الهدر الغذائي من العوامل التي تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة.
إحدى المبادرات البارزة التي أطلقتها الدولة هي "المبادرة الوطنية للحد من فقد الغذاء وهدره" والمعروفة باسم "نعمة". تستهدف المبادرة جميع الجهات ذات العلاقة بالعملية الغذائية من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني وأفراد، وتهدف إلى تنسيق الجهود للحد من الفاقد الغذائي في مختلف مراحل سلسلة الإمداد، ابتداءً من المزارع مرورًا بالشركات والموزعين وتجار التجزئة وصولاً إلى الأفراد.
نجاحات ملموسة
منذ إطلاق "مبادرة نعمة"، تمكنت المبادرة من تحويل مليون كيلوغرام من الغذاء بعيدًا عن مكبات النفايات، محققةً وفورات اقتصادية تقدر بـ 3.2 مليون درهم، كما أسهمت في تقليل 2.4 مليون كيلوغرام من الانبعاثات الكربونية. إضافة إلى ذلك، تم إنتاج 76600 كيلوغرام من السماد العضوي، والذي تم استخدامه في نحو 30635 متر مربع من الأراضي الزراعية، فضلاً عن توعية أكثر من 6 ملايين شخص حول أهمية تقليل الهدر.
الاستراتيجيات الوطنية للأمن الغذائي
تحقيقاً لهدف الأمن الغذائي بحلول 2051، تبنت الإمارات استراتيجية وطنية شاملة تسعى إلى تعزيز الإنتاج المحلي المستدام، وتفعيل التقنيات الذكية في إنتاج الغذاء، بالإضافة إلى الاستفادة من البنية التحتية المتطورة للدولة لتعزيز القدرات في مجال البحث والتطوير.
كما تعمل الاستراتيجية على تطوير جيل قادر على اختيار أنماط غذائية صحية ومستدامة، من خلال برامج توعوية تستهدف ترسيخ الوعي بأهمية الاستدامة وتجنب الهدر الغذائي، حيث تشير التقديرات العالمية إلى أن 1.3 مليار طن من الأغذية تُهدر سنويًا على مستوى العالم، ما يستدعي تضافر الجهود العالمية لمواجهة هذه الظاهرة.
منصات إلكترونية متكاملة لتسهيل الوصول إلى الغذاء
في إطار تسهيل وصول الأفراد إلى احتياجاتهم الغذائية، أطلق مكتب الأمن الغذائي والمائي في الإمارات منصة "أبحاث الغذاء الإلكترونية"، والتي تعد الأولى من نوعها في المنطقة. توفر هذه المنصة معلومات حديثة حول الأبحاث والابتكارات في مجال الأمن الغذائي، وتتيح فرصة لتعريف المجتمع بأحدث التقنيات المستدامة للحد من الهدر، كما تشجع على الاستثمار في حلول إنتاج غذاء مستدامة.
الإمارات في مراتب متقدمة عالميًا
حققت الإمارات إنجازات كبيرة على الصعيد العالمي في الأمن الغذائي، حيث جاءت ضمن قائمة الدول التي يتمتع سكانها بالقدرة على تحمل تكاليف نمط غذائي صحي وفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. كما تصدرت الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر الأمن الغذائي لعام 2022 الصادر عن "إيكونوميست إيمباكت"، واحتلت المرتبة الأولى في توافر الغذاء والثانية في جودة وسلامة الغذاء.
أهمية التعاون العالمي
أصبح من الواضح أن الإمارات تلعب دورًا رياديًا في تطوير استراتيجيات مبتكرة لمكافحة الهدر الغذائي وضمان الأمن الغذائي، من خلال توفير بيئة ملائمة للتطوير والابتكار، وتسهيل التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتحقيق استدامة أكبر في النظام الغذائي العالمي. تمثل هذه الجهود دعوة للعالم للسير على نهج الإمارات في تحقيق الأمن الغذائي والاستفادة من الموارد بطرق ذكية ومستدامة.
رؤية الغد تتابع الحدث